الشمـــــــاغ
لم يكن الشماغ سابقا غطاء الرأس المفضل لدى الشباب في السعودية والخليج، وكان ارتداؤه يكاد يكون حكرا على الكبار في السن او الذين تعدوا مرحلة الشباب، ولكن منذ منتصف السبعينات تقريبا ومع دخول انواع جديدة من الاشمغة واستعمال القطن الممشط في تصنيعها مما اكسبها طراوة ونعومة ولمعانا، اصبح الشماغ جزءا لا بد عنه بالنسبة للرجل السعودي المهتم بأناقته في أي عمر كان وغطاء الرأس الذي يميزه ودخل في ركاب الموضة، ليصبح هدفا يهتم به المصممون والتجار على حد سواء.
وللشماغ عدة طرق في ارتدائه تتبع لما يسمى بين الشباب السعودي بـ «التشخيصة» فمنهم من يرتدي الشماغ بطرقة (بنت البكار) أي يرفع الشماغ على رأسه بأكمله على العقال، ومنهم من يرتديه بطريقة (الكوبرا) رفع طرفي الشماغ فوق الرأس.
رحلة تاريخية ..
الشماغ رغم كونه جزءاً من اللباس الوطني في السعودية الا انه تقليدي لا يصنع في اراضيها وانما يجري استيراده من بريطانيا وسويسرا على الاغلب، اما اليوم فان صناعة الاشمغة في بريطانيا شبه مضمحلة ومن المتوقع ان تنتهي خلال خمس عشرة سنة، ومن المثير حقا ان الشماغ الأحمر المرقط بالأبيض دخل البلاد عن طريق الإنجليز عبر الهند حيث كانت معظم المصنوعات البريطانية تدخل السعودية والمنطقة العربية عبر (شركة الهند الشرقية). وكان تاجرا اسمه (ابن بسام) من اول مصدري الشماغ إلى السعودية وهكذا اصبح شماغ (البسام) اسما شهيرا في هذا المجال، وكان اول من ارتدى شماغ «البسام» الملك عبد العزيز آل سعود.
صناعة ونوع الشماغ..
وتعتمد جودة الشماغ على نوع القطن المصنوع منه وجودة النسيج، ودرجة البياض، إضافة إلى مدى ارتكازه على الرأس. اما في ايام الشتاء فيفضل السعوديون شماغ الكشمير (الصوف) وهو عادة متعدد الألوان ويبلغ سعره نحو 250 ريالا.
وتعتبر صناعة الشماغ من الصناعات المحتكرة فالمعرفة الفنية والتصنيعية للأشمغة حكر على عدد قليل من المصانع في دول تعد على أصابع اليد الواحدة، لأنها صناعة تتطلب تقنيات عالية والى معرفة وخبرة متكاملة لكل دقائق هذه الصناعة، لذلك فإن مجرد التفكير في إنشاء مصنع للشماغ في السعودية يعتبر تحديا بحد ذاته.
لكن يوجد في المقابل أشمغة مقلدة أو مقتبسة من تصميمات مشهورة، ولكنها ذات نوعية رديئة، ويطلق عليها اسم «شماغ للبسة واحدة» او(Disposable)، وأغلبها مصنوع في دول شرق آسيا، وتتراوح أسعارها مابين 10 ريالات الى 50 ريالا، ويدخل في تصنيعها (البوليستر)، وتستخدمها عادة الطبقات المتوسطة أو الفقيرة.
صناعة الشماغ..
أما عن عملية تصنيع الشماغ فتمر بعدة مراحل كإبداع التصاميم واختيار أفضل الأقطان وتحديد طريقة غزلها وصبغها وآليات نسجها.
أهم مرحلة تصنيع الشماغ هي التصميم الجديد والذي يتم من خلاله دراسة رغبات المستهلك، ثم التصميم الصناعي والذي يدخل فيه حساب كمية الخيوط ونوعيتها ونوعية الغزل والصباغة، بعدها تأتي مرحلة غزل الخيوط القطنية وصباغتها وفيها تتحدد نوعية الخيوط ودرجات كثافتها وآلية غزلها.
ويلي ذلك مرحلة مراقبة جودة الخيوط وتحضيرات النسيج ليتم فحص الخيوط وتحميلها بشكل متواز على الأنوال قبل تحديد أبعاد الشماغ بشكل دقيق.
ثم تأتي مرحلة مراقبة جودة النسيج الرقمية التي يقوم فيها فريق عمل متخصص بمراقبة نتائج النسيج من خلال فحص دقيق لكل أجزاء الشماغ شعرة شعرة للتأكد من مطابقة الشماغ المنسوج للمعايير القياسية المعتمدة.
وفي مرحلة الغسيل والتجهيز التي يتم فيها إزالة ما قد يعلق في الشماغ من غبار تصنيعي، حيث تتم عملية غسيل الشماغ بواسطة أجهزة وآلات خاصة متطورة وتحت درجات حرارة عالية. لتأتي بعد ذلك مرحلة التجهيز وهي "عملية ضبط مقاسات الشماغ من تمرير الشماغ ضمن أجهزة و آلات تقوم بإعطائه قوامه النهائي وضمان عدم تغير المقاس و انضباطه عند الاستعمال الشخصي والغسيل اليدوي العادي للشماغ من قبل المستهلك النهائي.
أما المرحلة ما قبل الأخيرة فهي مراقبة الجودة النهائية ويتم خلالها مراقبة جودة الأشمغة المجهزة بشكل نهائي للتأكد من خلوها من أي عيوب تصنيعية وتصنيفها حسب درجات الجودة ووضع علامات تصنيفية على كل شماغ.
وأخيرا تأتي مرحلة التقطيع والختم والتعبئة، حيث تفرز الأشمغة وتتم عملية خياطة أطرافها بشكل دقيق، وتعبئتها في علب راقية تتناسب مع الأسماء التجارية التي تسوق الشماغ من خلالها.
وفي المقابل، تلجأ شركات صناعة الأشمغة والغتر لتطور الشكل واللون والمواد المستخدمة. ومنذ ما لا يقل عن خمسة أعوام تحركت صناعة الأشمغة وتوالت المنتجات على الأسواق المحلية في السعودية، والتي عادة ما تسبق فترة الأعياد والدراسة، على اعتبار أن شريحة كبيرة من السعوديين يحرصون على اقتناء شماغ أو غترة قبل كل عيد أو عام دراسي.
وبالرغم من التطور الذي مر به الشماغ بحكم التقدم التقني في صناعة النسيج وبحكم متطلبات الحياة العصرية، ورغم موجة العولمة، إلا أنه ما زال يقف شامخاً على الرؤوس.